من أرشيف الذاكرة .. ثقافة العيب والكرامة المزيفة
يمنات
أحمد سيف حاشد
– المجتمع المعاق بثقافة التخلف، يمارس فيه العيب سلطاته المستبدة، و طغيانه الكاسح على الوعي، بحيث يصير عبئا ثقيلا و شديد الوطأة على كاهل الأسرة أو الفرد المنتهك حقه، في مجتمع لازال هشا و خاويا و متعصبا، و غير محصن بالوعي الحقوقي، و على نحو يمنع المُنتهك حقه من أن يقاضي المجرم، أو حتى الكشف عمّا تعرض له من جرائم التحرش، و انتهاك العرض، و الاعتداء الجنسي التي ترتكبها بحقه السلطات، أو بعض عناصرها، أو النافذين أو المتنفذين في المجتمع، أو حتى من هم دونهم..
– و يجري الحفاظ على السمعة، بالكتمان حيال ارتكاب تلك الجرائم الواقعة عليهم، و كبت الألم و الوجع، و لجم البوح، حفاظا على الكرامة المستلبة أو المغدورة، لصالح الكرامة المزيفة و القهر اللامحدود .. إنه العيب الذي يحمي المجرمين النافذين من المساءلة، و من أن تطالهم يد العدالة و القانون، و يحول دون أن ينتزع حق أو إنصاف من أولئك المجرمين المدعومين بثقافة العيب، فيما الضحايا يظلون يمضغون جراحهم بصمت بحيث لا يسمعهم أحد، و يلويهم من الداخل الألم اللاسع كالنار، و يسحقهم القهر كل يوم حتى آخر العمر.
– في السجون ترتكب تحرشات جمة، و وقائع اغتصابات، و اعتداءات جنسية، و حتى حالات إخصاء، و ابتزازات شتى يجري التكتم عليها من قبل الضحايا بسبب ثقافة العيب المجتمعية، فيما يظل المجرمون يسرحون و يمرحون في حلبة جرائمهم دون خوف أو زجر أو رادع، و يوغلون في ذلك النمط من الجرائم، و يكثرون منها، و يبحثون بصورة مستمرة عن ضحايا جدد، مطمئنين، و محميين بكثير من الدفاعات، و أولها ثقافة العيب التي تحمي المجرمين.
– و يقاس على هذا وقائع أخرى تمس الشخصيات الاجتماعية التي ترى السكوت عن الإهانة و كتمانها، أهم من كشفها، لأن كشفها تنال و تنتقص من الهيبة و الوقار و المكانة الاجتماعية، طالما لم يطّلع عليها أحد، أو أطلع عليها القليل الكاتمين للسر، و التي ربما تتحول إلى وسيلة ابتزاز من قبل ذلك الذي مارس الإهانة أو أطلع عليها..
– سمعت عن وزراء و رجال كبار في عهد سابق، أهينوا بأكبر من الإهانة، قولا و فعلا، و منهم من تم حبسه في المرحاض، تعنيفا و توبيخا و زجرا .. و يندرج ضمن أهداف تلك الممارسات أيضا التدجين و انتزاع الاستسلام الكامل، و اختبارات الطاعة العمياء، و اعطاء الولاء المطلق، و الإخلاص اللامحدود لصالح النظام أو الرجل الأول فيه.
– و في سياق مقارب يندرج تحت مفاهيم العيب، الحفاظ على المكانة الاجتماعية، و عدم الانتقاص منها، و بالتالي الصمت على الجور، و الكتمان الثقيل، و لجم البوح .. أذكر واقعة حدثت عندما تم اغلاق الغرفة علينا، في الجناح التابع للأمن السياسي في السجن المركزي بذمار عام 2007 على الأرجح، في فعل يشبه الاحتجاز و تقييد الحرية لي و لعدد من أعضاء مجلس النواب و منهم زميلي أحمد هادي الشقذه، حالما شاهدنا حراس السجن المصدومين بالمشهد، و نحن نوزع استمارات للمعتقلين، و نطلب منهم إملاءها .. و عندما أردت أن أرسل خبر واقعة الاحتجاز أو تقييد الحرية الذي تعرضنا له في خبر عاجل، أعترض زميلي الشقذة بشدة، و منعني أن أفعل، لأنها تنتقص من مهابته، و مكانته أمام قبيلته و مجتمعه.
– و في سياق مقارب أيضا، عيب على الرجال أن تُضرب .. عيب أن يتم الاعتداء على أجسادها .. حتى و إن كان أولئك الرجال قد ارتكبت بحقهم تلك الجرائم، في إطار ممارسة مهامهم و واجباتهم في الدفاع عن حقوقهم، أو الدفاع عن حرياتهم، أو عن حقوق و حريات الإنسان، أو حقوق الشعب، و كرامة الوطن .. عند ذلك يجب أن لا نلتفت لما سيقوله المجتمع الموعوك بالخواء و العيب .. المجتمع الذي يحمي المجرمين بمبرر العيب، و هو العيب كله..
– ثقافة العيب معيوبة بألف عيب .. العيب الواحد فيها يبتلع مجرة .. المريض بالعيب مسكون بآمادي من الفراغ و الخواء و الهشاشة .. العيب عاهة تستلب منّا الكرامة و العزة و الإباء لصالح ما هو زائف و ظالم، و لا يجني حصاده غير المجرمين المحميين بثقافة العيب و تخلف المجتمع و رجعيته.
– لا يسأل المثقل بثقافة العيب لماذا تُضرب! أي رسالة تحمل و أي مبدأ أثقل كاهلك .. لا يريد أن يعرف ماهي القضية التي ضربت من أجلها، أو تم الاعتداء عليك! العيب معيوب بكلالة النظر، و بؤس الوعي، و أزمة الثقافة .. لا يرى أكثر من أرنبة أنفه .. أحمق من أحمق، و أبتر من ذيل..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.